حقائق عن الدين البهائي

Facts about the Bahá’í Faith


القِيَم والأخلاق في الدين البهائي


لكل من المجتمعات الحديثة قيـمه ومعاييره لما يعتبره مقبولا من ناحية الأخلاق والتصرفات اللائقة والمتعارف عليها وعند تدقيق النظر نجد ان لكل هذه القيم جذورا في التقاليد والمعتقدات الروحية لذلك المجتمع إما في الديانات الحاضرة أو في المعتقدات القديمة في تاريخ المنطقة.

وجاءت كل الديانات السماوية بتعاليم روحية وأخلاقية وبقوانين وأحكام سيطرت على تعاملنا مع بعضنا البعض كأفراد ومجتمعات وحضارات الى أن أصبحت هذه القوانين والأحكام شيئا فشيئا متعارف عليها دوليا وعالميا الى حدّ ما، وصرنا نتوقعها ونتطلبها في حياتنا اليومية حتى في الدول التي لايمارس فيها الدين بصورة جدية حسب الظاهر.

وترتب على اتّباعِنا وتقيّدنا بهذه الأحكام تطوّر وسموّ وترقّي المجتمعات البشرية ودفعت بنا بعيدا عن الطبائع الدنيّة التي فيها يتساوى الإنسان مع الحيوان وهكذا أدّت بالإنسانية الى نهوض حضارات تجذّرت فيها على مدى العصور أسباب السلام والاستقرار حيث ظهرت على مدى الأجيال معالم محددة لحقوق الإنسان من جهة ووضوح مسؤليات الفرد والجماعات من جهة أُخرى وعندها توفّرت أسباب للضعفاء ومنحت الأمل للعناية بمن قسى عليهم الدهر من الفقراء والمرضى والمساكين.

والدين البهائي كما هي الحال في الديانات والرسالات التي سبقته في التاريخ، جاء مؤكدا ً ومعزّزاً لهذه القيم الأخلاقية ومصرّا من جهة ان يكون تطبيقها والتمسك بها في كل لحظة في الحياة اليومية أينما كنا .. في البيت أو المدرسة أو العمل و مشددا ً على ان غير الأفعال الطاهرة لن يقبل أبدا ... ومن جهة أُخرى جاء موضّحا أنّ هذه الأحكام كانت دائما تعبر عن محبة الله لنا ورحمته بنا وبأننا بدورنا في تمسكنا بها وإطاعتنا لها والتقيد بها يجب ان يكون ذلك عن حبّ عميق نكـنّه في قلوبنا لله عزّ وجلّ وكذلك لبريّته وأن يكون اتباعنا لها طواعية ورغبة منا لإظهار هذا الحب وليس طمعا في الثواب أو خوفا من العقاب . وفي توضيح هذه المعاني نجد في كتابات حضرة بهاء الله:


"يا أبناء آدم .. تصعد الكلمة الطّيبة والأعمال الطّاهرة المقدّسة إلى سماء العزّة الأحديّة فابذلوا الجهد أن تتطهّر أعمالكم من غبار الرّياء وكدورة النّفس والهوى فتدخل ساحة العزّة مقبولة لأنه عمّا قريب لن يرتضي صيارفة الوجود بين يدي المعبود إلا التّقوى الخالصة، ولن يقبلوا إلا العمل الطاهر. هذه هي شمس الحكمة والمعاني التي أشرقت من أفق فم المشيئة الرّبّانيّ طوبى للمقبلين". الكلمات المكنونة الفارسية (الترجمة العربيّة)


"يَا ابْنَ الوُجُودِ ! اعْمَلْ حُدُودِي حُبّاً لِي، ثُمَّ انْهِ نَفْسَكَ عَمّا تَهْوى طَلَباً لِرِضائِي". (الكلمات المكنونة العربيّة)


"يا ملأ الارض اعلموا انّ أوامري سرج عنايتي بين عبادي ومفاتيح رحمتي لبريّتي كذلك نزّل الأمر من سمآء مشيّة ربّكم مالك الأديان لو يجد أحد حلاوة البيان الّذي ظهر من فم مشيّة الرّحمن لينفق ما عنده ولو يكون خزآئن الأرض كلّها ليثبت أمراً من أوامره المشرقة من أُفق العناية والألطاف * قل من حدودي يمرّ عرف قميصي وبها تنصب أعلام النّصر على القنن والاتلال قد تكلّم لسان قدرتي في جبروت عظمتي مخاطباً لبريّتي أن اعملوا حدودي حبّاً لجمالي طوبى لحبيب وجد عرف المحبوب من هذه الكلمة الّتي فاحت منها نفحات الفضل على شأن لا توصف بالأذكار لعمري من شرب رحيق الانصاف من أيادي الألطاف إنّه يطوف حول أوامري المشرقة من أُفق الإبداع * ا تحسبنّ إنّا نزّلنا لكم الأحكام بل فتحنا ختم الرّحيق المختوم باصابع القدرة والاقتدار يشهد بذلك ما نزّل من قلم الوحي تفكّروا يا أُولي الأفكار". (الكتاب الأقدس، الفقرة ۳، ٤، ٥)


أصبح من الممكن الآن أن ننظر الى العالم البشري بنظرة عامّة شمولية وهو يناضل بعناد وإصرار خلال مراحل انتقاله التدريجي من مرحلة سنين المراهقة الى مرحلة النضوج الى ما ينبغي له ويليق به ولمّا كان هكذا إنجازات، أصبح من اللائق أن يـُعامـَل أفراد ُه معاملة الشخص الناضج الذي يتبوّأ مسؤلياته عن فهم وإدراك لأهميتها ويتمسك بالأحكام الإلهية عن ايمان بفوائدها وقيمتها في إصلاح العالم دون ان يحتاج لمن يجبره على اتباعها أو يـَعـِظه أو يذكـّره. ويكون هو نفسه الآمر بالمعروف لنفسه وناهيها عن المنكر.

دور الدين ومكانته في حياة المجتمع:

تنبهنا كتابات حضرة بهاء الله الى أهمية الدين كأساس لكل النظم والعلاقات التي ترتبط بحياتنا اليومية سواء كان ذلك بين أفراد العائلة الواحدة أو مع باقي أفراد المجتمع. ويحثنا في نصائحه ان يكون الدين مرجعا لنا ومحركنا في كل شؤون الحياة اليومية و يحذرنا من أن نغفل تربية أطفالنا شرط ان يكون ذلك بالإعتدال وبدون إفراط قد يؤدي الى عكس المرغوب فيه إما في ردة فعل ضد الدين بسبب التشدّد والتزّمت، وإما في انتشار التعصبات. ويحثّنا أيضا أن نرجع الى الدين في تأسيس العدالة الاجتماعية لتحقيق الاستقرار والسلام، وأن يظهر تمسّكنا بقيم وأحكام ديننا عن طريق الأعمال والخدمة والحسنات وليس بترديدها على الشفاه. يتفضل حضرة بهاء الله:


"يا ابن التّراب.. الحقَّ أقولُ، أكثر العبادِ غفلةً من يجادلُ في القول وينشد التّفوّقِ على أخيه. قل يا أيّها الإخوة بأعمالكم تزيّنوا لا بأقوالكم.". الكلمات المكنونة الفارسية (الترجمة العربيّة)


"يا ابن أمتي.. من قبلُ كانت الهداية بالأقوال والآن هي بالأفعال. فلتصدر الأفعال عن هيكل الإنسان قدسيّة، فالكُلُّ بالأقوال شُرَكاء إلّا أحبّاءَنا الّذين انفردوا بالأفعال الطّاهرة المُقدّسة، فاجهدوا إذًا بأرواحكم وقلوبكم أن تتميّزوا بأفعالِكم عن الخلائقِ أجمعين. كذلك نصحناكم في لوح قدسٍ منير". الكلمات المكنونة الفارسية (الترجمة العربيّة)


مبدأ المساواة بين الرجل والمرأة وتأثيره على قيم وأخلاق المجتمع:


من المبادئ التي دعى إليها الدين البهائي منذ بداية نشأته هو مبدأ المساواة بين الجنسين وأكد حضرة بهاء الله بأنّ الذكوروالإناث كانوا وسيكونون دوما في نظر الله عزّ وجلّ على حدّ سواء كما نزل في القرآن الكريم "وَمَنْ يَعْمَلْ مِنَ الصَّالِحَاتِ مِنْ ذَكَرٍ أَوْ أُنْثَى وَهُوَ مُؤْمِنٌ فَأُولَئِكَ يَدْخُلُونَ الجَنَّةَ وَلَا يُظْلَمُونَ نَقِيراً"(النساء ٤:١٢٤)

يشبّه حضرة عبد البهاء المرأة والرجل بجناحي الطير الذي لن يستطيع التحليق في سماء التعاليم البهائية ولن يرتقي الى أَسْمَى معارجها التي قدرّها لها البارئ إذا لم يكن الجناحان متساويين في القوة والحيوية والنشاط. وتؤكد هذه التعاليم على مكانة التربية والتعليم في إبراز هذه المساواة الى حيز الوجود، ويشغل تعليم المرأة في البهائية حيّزا وأهمية الى درجة نرى فيها أنّ في حالة عدم توفر إمكانية التعليم لكل الأطفال في العائلة، تُعطى الأولية للأنثى كونها في دورها في المستقبل ستكون المربّية الأولى لأطفالها.

أعلن حضرة بهاء الله عن هذا المبدأ في أواسط القرن التاسع عشر في وقت كان مثل هذا الفكر يعد تحوّلا جذريا في الرأي والتفكير حتى في البلدان الأكثر تفتحا للأفكار الجديدة في ذلك الزمان، وحتى في الغرب كانت حركات النساء من أجل الحصول على حقوق المشاركة في الإنتخابات كصورة مهزوزة لم تتضح معالمها الحقيقية بعد، بينما في الشرق كانت أغلب النساء في دور من يتبع الرجل في أغلب أمور الحياة دون أن يـُرى لهنّ وجه أو يـُسمع لهنّ صوت في أمور المجتمع.

ظهرت اعتراضات شديدة ضد هذا المبدأ فور إعلانه، كانت مبنية على سوء فهم لحقيقته ومعناه وشكوك حول الغرض منه ونتج عن ذلك أن ربط َ البعض مساواة الجنسين بتخريب نظم المجتمع وانتهاك للتقاليد والعادات وإضعاف دور الرجال في البيت وفي المجتمع ناهيك عن الاعتقاد السائد بأنّ الرجل هو الوحيد القادر على حماية المرأة الضعيفة. ومن جملة ما سبب زيادة سوء الفهم هذا هو اتهام الدين البهائي وأتباعه بالدعوة الى تراخي القيم وتحلل الأخلاق وحتى - لا سمح الله - بتحليل ما حرّمه الله في باقي الأديان في ما يخص العلاقات الجنسية أو في من يحل الزواج بهم متجاهلين كلّيا أن الدين البهائي لا يسمح بأي علاقة جنسية خارج إطار الزواج ومتجاهلين الحقيقة الأخرى وهي أنّ الدين البهائي يحرّم الزواج من نفس الأقارب الذين يُحَرَّمُ الزواج منهم في الديانات الأخرى كالمسيحية والإسلام.

أمّا فيما يخص الرداء والملابس والحجاب وغيرها فنرى أنّ الدين البهائي لا يحرّم الحجاب ولا يفرضه ولا يفرض نوعا معيّنا من اللباس. فما يرتديه الناس قد يختلف في مجتمع أو دولة عما يرتدوه في دولة اخرى أو مجتمع آخر وقد يتوقف ذلك على البيئة والطقس وما يتوفر من الأقمشة والمواد الأخرى وما اعتاد عليه أبناء المنطقة عبر القرون. ورغم أنّ تطبيق الأحكام البهائية يعم ّ على جميع أتباعها أينما يكانوا، نجد أنّ من الجائز أن نرى اختلافا بسيطا في طريقة التطبيق بين منطقة وأخرى في العالم فنرى مثلا أنّ المصلّي يستعمل سجادة في صلاته في بعض مناطق العالم بينما لا يستعملها الشخص الآخر في دولة اخرى ورغم أنّنا لا نرى اصرارا ً على نوع معين من الملابس لكننا نجد في تعاليم حضرة بهاء الله ما يحث فيه أتباعه على التمسك بالاعتدال والبساطة والتواضع والحشمة ويأمرهم نساءً ورجالاً مراعاة الطهارة والعفّة والاستحياء ومخافة الله وخشيته وأن لا يكونوا ملعب الجاهلين.

"يا ملأ الانشآء لا تتّبعوا أنفسكم إنّها لأمّارة بالبغي والفحشآء اتّبعوا مالك الاشيآء الّذي يأمركم بالبرّ والتّقوى إنّه كان عن العالمين غنيّاً إيّاكم أن تفسدوا في الأرض بعد إصلاحها ومن أفسد إنّه ليس منّا ونحن برآء منه كذلك كان الأمر من سمآء الوحي بالحقّ مشهوداً". (الكتاب الأقدس، الفقرة ٦٤)


"كُونُوا فِي الطَّرْفِ عَفِيفَاً وَفِي الْيَدِ أَمِينَاً وَفِي اللِّسَانِ صَادِقَاً وَفِي الْقَلْبِ مُتَذَكِّراً". (لوح الحكمة)


"قد رفع الله عنكم حكم الحدّ في اللّباس واللّحى فضلاً من عنده إنّه لهو الآمر العليم اعملوا ما لا تنكره العقول المستقيمة ولا تجعلوا أنفسكم ملعب الجاهلين طوبى لمن تزيّن بطراز الآداب والأخلاق إنّه ممّن نصر ربّه بالعمل الواضح المبين". (الكتاب الأقدس، الفقرة ۱٥٩)


تزخرالكتابات البهائية بالإرشادات والتعاليم التي تنص وتؤكد على التشبث بالأخلاق الحميدة والسيطرة على النفس الأمارة والتحفظ والحرص الشديد من الإنجراف في تيارات المجتمع الفاسدة . وسنَّ حضرة بهاء الله أحكاما ضد الزنا والفحشاء و حدد لها عقوبات معينة قد تبدوا شديدة جدا عند بعض المجتمعات وليست شديدة بالكفاية عند مجتمعات أخرى ولكنه في كتابته لتلك الأحكام يؤكد على شدة عقاب الآخرة لو لم يتوب العاصي والعاصية ويتضرعون الى الله ابتغاء مغفرته:


"قد حكم الله لكلّ زانٍ وزانية دية مسلّمة الى بيت العدل وهي تسعة مثاقيل من الذّهب وإن عادا مرّة اخرى عودوا بضعف الجزآء هذا ما حكم به مالك الأسماء في الأولى وفي الأخرى قدّر لهما عذاب مهين من ابتلي بمعصية فله أن يتوب ويرجع الى الله إنّه يغفر لمن يشآء ولا يسئل عمّا شآء إنّه لهو التّوّاب العزيز الحميد". (الكتاب الأقدس، الفقرة ٤٩)


وهناك قوانين أخرى في الدين البهائي قد تبدوا قاسية في بعض المجتمعات ومنها حكم الموت (أو الحبس المؤبد) على القاتل والحارق ووضع العلامة المميزة على جبين السارق لو كرّر فعلته ... وغيرها، ولذا نستطيع أن نصف الدين البهائي بأنه متحرّرجدا من ناحية المبادئ ومتحفظ جدا من ناحية الأخلاق. ونختم هذا الموضوع ببعض النصوص عن الأخلاق البهائية المطلوبة:


"يا عشبَ التّراب ... كيف لا تلمَسون أثوابَكم بأيدٍ مُلطّخة بالسُّكّر ثمّ تلتمسُون مُعاشرتي بقلوبٍ دنّستها الشّهوةُ والهوى وتبتغون إلى ممالك قدسي سبيلًا. هيهات هيهات عمّا أنتم تريدون". الكلمات المكنونة الفارسية (الترجمة العربيّة)


" أَصْلُ الحِكْمَةِ ... هِيَ الخَشْيَةُ عَنِ اللهِ عَزَّ ذِكْرُهُ وَالمَخَافَةُ مِنْ سَطْوَتِهِ وَسِيَاطِهِ وَالوَجَلُ مِنْ مَظَاهِرِ عَدْلِهِ وَقَضَائِهِ". (لوح أصل كل الخير)


"زيّنوا رؤسكم باكليل الأمانة والوفاء وقلوبكم برداء التّقوى وألسنكم بالصّدق الخالص وهياكلكم بطراز الآداب كلّ ذلك من سجيّة الإنسان لو أنتم من المتبصّرين يا أهل البهآء تمسّكوا بحبل العبوديّة لله الحقّ بها تظهر مقاماتكم وتثبت أسمائكم وترتفع مراتبكم وأذكاركم في لوح حفيظ إيّاكم أن يمنعكم من على الأرض عن هذا المقام العزيز الرّفيع قد وصّيناكم بها في أكثر الألواح وفي هذا اللّوح الّذي لاح من أُفقه نيّر أحكام ربّكم المقتدر الحكيم". (الكتاب الأقدس، الفقرة ۱۲٠)



"يَا ابْنَ الرُّوحِ ... أَحَبُّ الأَشْيَاءِ عِنْدِي الإنْصافُ. لَا تَرْغَبْ عَنْهُ إِنْ تَكُنْ إِلَيَّ راغِبًا وَلَا تَغْفَلْ مِنْهُ لِتَكُونَ لِي أَمِينًا وَأَنْتَ تُوَفَّقُ بِذلِكَ أَنْ تُشَاهِدَ الأَشْياءَ بِعَيْنِكَ لا بِعَيْنِ العِبادِ وَتَعْرِفَها بِمَعْرِفَتِكَ لا بِمَعْرِفَةِ أَحَدٍ فِي البِلادِ. فَكِّرْ فِي ذلِكَ كَيْفَ يَنْبَغِي أَنْ تَكُونَ. ذلِكَ مِنْ عَطِيَّتِي عَلَيْكَ وَعِنايَتي لَكَ فَاجْعَلْهُ أَمامَ عَيْنَيْكَ."
%
تقدم القراءة