حقائق عن الدين البهائي

Facts about the Bahá’í Faith


بعض المقتطفات من التاريخ عن مصير بعض الذين عادوا الدين البهائي

* * * * * * * * *

"يا ظَلَمَةَ الأرض ... كفّوا أيديكُم عن الظّلم، لأنّي أقسمتُ ألّا أترُكَ ظُلمَ أحد. وإنّ هذا عهدٌ عليّ في اللّوح المحفوظ قطعته، وبخاتَم العزّ مهرتُه." الكلمات المكنونة الفارسية (الترجمة العربيّة)

١. مصير بعض أعداء حضرة الباب (من كتاب مطالع الانوار)

إن أول من قام على أذية حضرة الباب لم يكن سوى حسين خان، حاكم شيراز. فتسببت معاملته المهينة لسجينه بفقدان حياة الآلاف من رعيته كان موكلاً بحمايتهم ورعايتهم، والذين تغاضوا عن أفعاله. فاجتاح الطاعون مقاطعته وأودى بها إلى شفا الهاوية. وترنحت مقاطعة فارس فقيرة متعبة تحت وطأته، فاستجدت صدقة جيرانها من المقاطعات وعون أصدقائها في النكبات. وشاهد حسين خان بمرارة أن جميع أعماله قد ذهبت هباءً منثورًا وأصبح منبوذًا في أواخر أيامه وترنح إلى قبره مدحورًا منسيًا من الأحباب والأعداء على السواء.

وأما الشخص الثاني الذي قام على مقاومة أمر حضرة الباب ووقف في سبيل تقدمه، فكان الحاج ميرزا آقاسي. فكان هو الذي حال بين حضرة الباب ومحمد شاه وسعى لمنع لقائهما، بسبب أنانيته ولكي يحوز رضاء علماء الزمان الأدنياء. وهو الذي أمر بنفي سجينه إلى أحد أركان آذربيجان القصية وشدد على عزلته بمراقبة حثيثة. وهو الذي نزّل بحقه لوح قهري تنبأ له فيه سجينه بهلاكه وفضح عاره. ولم تمضِ إلا سنة وستة أشهر على وصول حضرة الباب إلى ضواحي طهران حتى انقض على الوزير الانتقام الإلهي وأنزله من سلطانه وجبروته وقاده للبحث عن ملجأ في ضريح الشاه عبد العظيم هربًا من غضب رعيته. ومن هناك طردته يد المنتقم القهار منفيًا إلى خارج حدود وطنه وألقته في بحر المصائب والآلام إلى أن لقي حتفه بغاية الذلة والفقر المدقع.

أما الفوج الذي تطوع لإعادة رمي حضرة الباب بالرصاص، رغم فشل سام خان ورجاله في إنهاء حياة حضرته، والذي أمطره أخيرًا بوابل مقذوفاته، فإن مائتين وخمسين منهم لقوا حتفهم في السنة نفسها ومعهم ضباطهم في زلزال عنيف. فبينما كانوا يستريحون في يوم قيظ تحت ظل حائط في طريقهم بين أردبيل وتبريز، وهم يمرحون ويلعبون، انهار ذلك الحائط بأكمله عليهم فجأة، ولم يبق منهم أحد حيًا. أما الخمسمائة الباقون، فقد لقوا حتفهم بالطريقة نفسها التي اتّبعوها مع حضرة الباب، فبعد استشهاده بثلاث سنوات، أعلن فوجهم العصيان، فضُربوا جميعًا بالرصاص بأمر من ميرزا صادق خان النوري. ولم يكتف بالطلقة الأولى بل أمر بإطلاق طلقة أخرى حتى يضمن أن لا يبقى منهم بقية، ومزقت بعد ذلك أجسادهم بالحراب والسنان وتُركت معرضة لأنظار أهالي تبريز. وفي ذلك اليوم تعجب أهالي تلك المدينة من أن يكون نصيب الذين قتلوا حضرة الباب نفس ما عملوه به، وسمع بعضهم يتساءلون فيما بينهم قائلين: ’هل يمكن أن يكون الانتقام الإلهي هو الذي أودى بحياة الفوج بأكمله وأطاح بهم إلى هذه النهاية المخزية المفجعة، أم كان ذلك مصادفة؟ فإذا كان ذلك الشاب مدع كاذب، فلماذا نال قاتليه عقابًا شديدًا؟‘ وقد وصلت هذه الهواجس إلى أسماع كبار المجتهدين في المدينة والذين أخذ الخوف منهم كل مأخذ، وأمروا أن يُعاقب بشدة، كل من يعبر عن مثل تلك الشكوك. فضُرب بعضهم وغُرم آخرون وحُذّر جميعهم من الهمس بهذه الأقاويل التي تحيي ذكرى خصم لدود وتعيد إشعال الحماس لأمره.

أما المحرك الرئيس لتلك القوى التي أدت لاستشهاد حضرة الباب، وهو أمير النظام، وكذلك أخوه، وزير النظام، شريكه في الجريمة، فوقع عليهما في ظرف سنتين من فعلتهما الشنيعة عقاب صارم انتهى بموتهما أشنع ميتة. وتلطخ حائط حمّام فين بدم أمير النظام. وإلى اليوم يشاهد ذلك دليلاً على المظالم التي اقترفتها يده.


٢. مصير بعض الذين عادوا حضرة بهاء الله (من كتاب القرن البديع)

فهذا السّلطان عبد العزيز، الّذي كان هو وناصر الدّين شاه أساس البلايا الّتي انهالت على حضرة بهاء الله، وكان مسؤولاً عن توقيع ثلاثة فرمانات بنفي المظهر الإلهيّ، والّذي وصمه في الأقدس بأنّه جالس على "كرسيّ الظّلم"، وتنبّأ في لوح فؤاد بسقوطه، نراه يُعزَل إثر ثورة في القصر، ويُحكم عليه بمقتضى فتوى تصدر من المفتي في عاصمة ملكه، ويُقتل بعد أربعة أيّام (١٨٧٦م)، ويخلفه ابن أخيه فيُحكم عليه بالغباء المطبق. أمّا حرب ٧٧-١٨٧٨م، فتحرّر أحد عشر مليونًا من النّير التّركيّ، وتحتلّ القوات الرّوسيّة أدرنة، وتتهالك الإمبراطوريّة بأسرها وتتداعى نتيجة لحرب ١٤-١٩١٨م، وتُلغى السّلطنة وتُعلن الجمهوريّة، ويتلاشى الحكم الّذي دام أكثر من ستّة قرون.

وهذا ناصر الدّين شاه المغرور المستبدّ، الّذي وصمه حضرة بهاء الله بأنه "رئيس الظالمين" وأنّه سرعان ما يكون "عبرة للعالمين"، والّذي تلطّخ حكمه باستشهاد حضرة الباب وسجن حضرة بهاء الله وألحّ فيما بعد في الإيعاز بنفيه إلى الآستانة فأدرنة فعكّاء، والّذي عاهد نفسه على أن يخنق دين الله في مهده بمعونة نظام دينيّ خبيث، نراه يتعرّض للاغتيال العنيف في ضريح شاه عبد العظيم ليل يوبيله الّذي كان مقرّرًا أن يحتفل به احتفالاً فائق الرّوعة بحسبان أنّه فاتحة عهد جديد، وأن يُخلَّد في التّاريخ كأعظم يوم يشهده تاريخ الأمّة الإيرانيّة. وتتعثّر من بعده مصائر أسرته المالكة إذ يعمل سلوك أحمد شاه الطّائش المخزي على الإسراع بأفول نجم آل قاجار.

وهذا نابليون الثّالث، أقدر ملوك الغرب في أيّامه وأشدّهم إسرافًا في الطّموح وإمعانًا في الغطرسة، ذلك المحتال السّاذج الّذي روي عنه أنّه ألقى بلوح حضرة بهاء الله في ازدراء، والذي اختبره حضرة بهاء الله فوجده غير كفؤ، والذي تنبّأ في لوح آخر بسقوطه، نراه يُمنى بهزيمة نكراء في معرك سيدان (١٨٧٠م)، ويسجّل على نفسه أعظم هزيمة عسكريّة رواها التّاريخ الحديث، ثم يفقد مملكته ليقضي البقيّة الباقية من أيّامه في المنفى، وتنهار كلّ آماله، بل ويقتل ابنه الأمير في حرب الزّولو، وتتداعى إمبراطوريّته المتغطرسة، وتندلع نيران حرب أهليّة أشدّ وأنكى من الحرب الفرنسيّة الألمانيّة نفسها، وينادى في قصر فرساي، بولهلم الأوّل ملك بروسيا إمبراطورًا على ألمانيا الموحّدة.

وهذا ولهلم الأوّل المفتون وقاهر نابليون الثّالث، ذلك الّذي نصحه الكتاب الأقدس، وأمره بأن يتدبّر المصير الّذي آل إليه "من كان أعظم منه شأنًا، وأنذره بأنّ "حنين البرلين" سوف يتصاعد، وأنّ صفاف نهر الرّين "مغطّاة بالدّماء"، نراه يتعرّض لمحاولتين لاغتياله، ويخلفه ولده ليموت بمرض وبيل بعد اعتلائه العرش بثلاثة أشهر، تاركًا العرش لولهلم الثّاني المتكبّر العنيد القصير النّظر. وتعجّل كبرياء الملك الجديد بسقوطه إذ تثور عليه عاصمة ملكه ثورة سريعة مفاجئة، وتطلّ الشّيوعيّة برأسها على عدد من المدن، ويتنازل أمراء الولايات الألمانيّة. أمّا هو فيفرّ إلى هولندة فرارًا مخزيًا، ويرغم على التّنازل عن العرش، ويختم دستور ويمار على مصير الإمبراطوريّة الّتي طنطن جدّه لميلادها وجعجع. وتثير شروط المعاهدة الجائرة القاسية ذلك "الحنين" الّذي تنبّأ به المتنبّئ منذ نصف قرن مضى.

وهذا فرانسوا جوزيف إمبراطور النّمسة وملك المجر الجبّار المتعسّف، الّذي لامه الكتاب الأقدس على إغفاله واجبه الظّاهر، ألا وهو الاستفسار عن أمر الله عند زيارته للأراضي المقدّسة، نراه يسوء طالعه، وتحيط به المآسي والكوارث من كلّ جانب حتّى ليعدّ عهده فريدًا في المصائب الّتي أنزلها بالأمّة. وهذا أخوه مكسيميليان يُقتل في المكسيك. وهذا وليّ عهده رودلف يهلك في ظروف مخزية. وهذه الإمبراطورة تغتال. وهذا الأرشيدوق فرنسيس فرديناند يُقتل هو وزوجته في سراييفو، وهذه "الإمبراطوريّة المتعثّرة" تتداعى وتنهار ليقام على أنقاض هذه الإمبراطوريّة الرّومانيّة المقدّسة المتلاشية جمهوريّة مزعزعة تُمحى من خريطة أوروبّا السّياسيّة بعد حياة قصيرة مضطربة.

وهذا نيقولاويج إسكندر الثّاني قيصر روسيا القدير، الّذي حذّره حضرة بهاء الله ثلاث مرات في لوحه الخاصّ وأمره بأن "يدعو الأمم إلى الله"، وأوصاه بألا يمنعه المُلك عن المالك"، نراه يتعرّض لمحاولات عدّة لاغتياله، ويموت أخيرًا على يد أحد القتلة. وهذه سياسة القمع العنيفة الّتي استنّها وتابعه فيها خليفته إسكندر الثّالث تمهّد الطّريق لثورة يجتاح فيضانها الدّموي إمبراطوريّة القياصرة في عهد نيقولا الثّاني، وتجلب معها الحرب والوباء والمجاعة. وتقيم حكومة عماليّة عسكريّة تقتل النّبلاء وتضطهد رجال الدّين وتشرّد قادة الرّأي وتعدم القيصر وزوجته وأسرته وتقضي على آل رومانوف.

وهذا البابا بيوس التّاسع، رأس أقوى كنيسة في العالم المسيحيّ بلا منازع، وهو الّذي أمره حضرة بهاء الله في لوحه أن يهجر القصور بقوله: "دعها لمن أرادها" و"بع ما عندك من الزّينة" و"أنفقها في سبيل الله" وأن يسرع إلى "الملكوت" نراه يُرغم على أن يستسلم في ظروف مخزية لقوّات الملك فكتور عمانوئيل المحاصرة، وأن يخضع لانتزاع الأملاك البابويّة ألف سنة، وهَوان الأنظمة الدّينيّة في أيّامه ممّا أضاف آلامًا روحيّة على آلامه الجسديّة وزاد في مرارة السّنوات الأخيرة من حياته. وأكّد الاعتراف الرّسمي بمملكة إيطاليا، ذلك الاعتراف الّذي انتزع فيما بعد من أحد خلفائه في الفاتيكان، زوال سلطة البابا الزّمنية.

على أن الانحلال السّريع الّذي دبّ في الإمبراطوريّات العثمانيّة والنّابليونيّة والألمانيّة والنّمسويّة والرّوسيّة وانقراض آل قاجار وزوال سلطة البابا الزّمنيّة لا تستنفد قصّة المصائب الّتي حلّت بالملكيّات في العالم جزاءً وفاقًا على إغفالها لإنذارات حضرة بهاء الله الواردة في الفقرات الأولى من سورة الملوك، ذلك لأن تحوّل الملكيّة في البرتغال وإسبانيا والإمبراطوريّة في الصّين إلى جمهوريات، والمصير الغريب الّذي أخذ مؤخّرًا يتعقب ملوك هولندا والنّرويج واليونان ويوغسلافيا وألبانيا، أولئك الّذين يعيشون اليوم [١٩٤٤م] في المنفى، وتنازل ملوك الدّنمارك وبلجيكا وبلغاريا ورومانيا وإيطاليا عن ممارسة جلّ سلطانهم، والخوف الّذي لا بدّ أنّ زملاءهم من الملوك يحسّون به وهم يتأمّلون الانقلابات الّتي تسلّطت على هذا العدد الضّخم من العروش، والخزي وأعمال العنف الّتي لطّخت في بعض الأحيان عهود بعض الملوك في الشّرق والغرب، ثمّ ما حدث أخيرًا جدًّا من السّقوط المفاجئ الّذي مني به موسّس الأسرة المالكة الحديثة في إيران، كلّ ذلك ما زال ماثلاً للعيان ليدلّل مرّة أخرى على "العدل الإلهيّ" الّذي تنبّأ حضرة بهاء الله به في تلك السّورة الخالدة، ويبيّن حقيقة القصاص الإلهيّ الّذي قضى به على حكّام الأرض في كتابه الأقدس.

ولا يقلّ استرعاءً للانتباه خمود التّأثير النّفّاذ الّذي تمتّع به رجال الإسلام من السّنّة والشّيعة على السّواء في القطرين اللّذين ازدهرت فيهما أقوى الأنظمة الإسلاميّة، واللّذين ارتبطا ارتباطًا وثيقًا مباشرًا بالبلايا والشّدائد الّتي انصبّت على حضرة الباب وحضرة بهاء الله.

فهذا الخليفة الّذي نصّب نفسه خليفة نبيّ الإسلام وعُرف أيضًا بأمير المؤمنين وحامي الحرمين: مكّة المحرّمة والمدينة المنوّرة، والّذي امتدّ سلطانه الرّوحيّ على ما لا يقلّ عن مائتيّ مليون من المسلمين، نراه يفقد سلطته الزّمنيّة بعد إلغاء السّلطنة في تركيّا، وهي السّلطة الّتي طالما اعتُبرت من المستلزمات الضّروريّة لمركزه الرّفيع، فيفرّ الخليفة نفسه إلى أوروبّا بعد أن شغل منصبًا مزعزعًا مضطربًا لمدّة قصيرة من الزّمن. وألغيت الخلافة وهي أضخم نظام إسلاميّ وأقواه إلغاء فوريًّا دون أدنى استشارة للمحافل السّنّيّة في العالم. فتصدّعت بذلك وحدة أقوى فرع من فروع الإسلام. وأعلن الفصل الكامل الدّائم الرّسميّ للدّولة التّركيّة عن المذهب السّنّي. وتعطّلت الشّريعة وجرّدت الهيئات الدّينيّة من أوقافها، وطبّق القانون المدنيّ، وحظرت الطّرق والطّوائف الدّينيّة، وانحلّ النّظام الدّينيّ السّنّي وهجرت اللّغة العربيّة، لغة نبيّ الإسلام، وحلّت الأبجديّة اللاّتينيّة محل أبجديّتها، بل وترجم القرآن نفسه إلى التّركيّة. وانحطّت منزلة الآستانة "قبّة الإسلام" إلى مجرّد مدينة إقليميّة عاديّة. وتحوّلت درّتها الغالية، مسجد أيا صوفيا، إلى متحف. وهذا كلّه سلسلة متّصلة الحلقات من مهانة تعيد إلى الذّاكرة ما حدث في القرن المسيحيّ الأوّل للشّعب اليهوديّ ومدينة أورشليم وهيكل سليمان وقدس الأقداس والنّظام الدّينيّ الّذي كان أعضاؤه هم الأعداء الالدّاء لدين السّيّد المسيح. […]

كما أنّه لا ينبغي لنا، ونحن بصدد استعراض كهذا، أن نغفل الإشارة إلى أولئك الأمراء والوزراء ورجال الدّين الّذين يعدّ كلّ فرد منهم مسؤولاً عن الامتحانات المؤلمة الّتي عاناها حضرة بهاء الله وأتباعه. فهذا فؤاد باشا، وزير الخارجيّة التّركيّة، ذلك الّذي وصمه حضرة بهاء الله بـ"المحرّك" على نفيه إلى السّجن الأعظم، والّذي جاهد مع زميله عالي باشا جهادًا متّصلاً ليثير شكوك ومخاوف سلطان كان يظنّ بالدّين وبزعيمه الظّنون من قبل، نراه بعد سنة تقريبًا من تنفيذ خطّته يسقط تحت مقامع الانتقام الإلهيّ أثناء سفره إلى باريس، ويموت في نيس (١٨٦٩ م). وهذا عالي باشا الصّدر الأعظم، ذلك الّذي وصمه حضرة بهاء الله بتلك اللّغة المتدفّقة في لوح الرّئيس، وتنبّأ بسقوطه في لوح فؤاد تنبّؤًا لا يخطئه اليقين، نراه يُعزل من منصبه بعد نفي حضرة بهاء الله إلى عكّاء بسنوات قلائل، ويجرّد من كلّ سلطاته، ويتردّى في هاوية النّسيان. وهذا الأمير الطّاغية ظلّ السّلطان مسعود ميرزا أكبر أولاد ناصر الدّين شاه، والحاكم على أكثر من خُمسي المملكة ذلك الّذي وصمه حضرة بهاء الله بأنّه "شجرة الجحيم"، نراه يبوء بالخزي والخسران ويحرم من كلّ ولاياته اللّهم إلا إصفهان، ويفقد كلّ أمل في الجاه أو التّرقّي في المستقبل. وهذا الأمير الضّاري جلال الدّولة الّذي وصمه القلم الأعلى بأنّه "ظالم أرض الياء [يزد]"، نراه يُعزل بعد عام واحد من ارتكابه تلك المظالم، ويُستدعى إلى طهران ويُرغم على أن يعيد بعض الأموال الّتي نهبها من ضحاياه.

وهذا ميرزا بزرگ خان القنصل الإيراني العام في بغداد ذلك الماكر الطّموح المتهتّك، نراه يُعزل في النّهاية من منصبه "يفدحه الخطب، ويغمره الأسف، ويعمّه الاضطراب". وهذا السّيّد صادق الطّباطبائي المجتهد الّذي وصمه حضرة بها الله بأنه "*كاذب أرض الطّاء [طهران]"، والّذي أصدر فتواه البربريّة بنفي كلّ أنثى وقتل كلّ ذكر من أفراد البهائيّين في إيران سواء أكن ذلك الذّكر شابًّا أم شيخًا، رفيعًا أم وضيعًا، نراه يمرض فجأة، ويسقط فريسة لمرض وبيل ينهش قلبه ومخّه وأطرافه، مما عجَّل بهلاكه. وهذا صبحي باشا العاتي الّذي أمر حضرة بهاء الله بجفوة أن يحضر إلى سراي الحكومة في عكّاء، نراه يُعزل من منصبه ويُستدعى في ظروف ماسّة بسمعته. ولم يُعفَ من مثل هذا المصير حكّام المدينة الآخرون الّذين ظلموا السّجين المجيد هو وزملاءه في المنفى. ويؤكّد النّبيل في تاريخه أن كلّ باشا سلك سلوكًا طيّبًا في عكّاء تمتّع بمدّة طويلة من الحكم، وحباه الله برضوانه، على حين كانت يد القدرة الإلهيّة تزيح كلّ متصرف لدود من أمثال عبد الرّحمن باشا ومحمّد يوسف باشا اللّذين عزلا برقيًّا في نفس اللّيلة الّتي عزما فيها أن يتعدّيا على أحبّاء حضرة بهاء الله. وكان من نصيهما ألاّ يتولّيا منصبًا من بعد ذلك أبدًا.

وهذا الشّيخ محمّد باقر الملقّب بـ"الذئب"، الّذي شبّهه حضرة بهاء الله في لوح البرهان الشّديد اللّهجة بـ"بقيّة أثر الشّمس على رؤوس الجبال"، نره يشهد بعينيه نفوذه وهو يتقلّص باطّراد، ثمّ يموت في بؤسٍ شديد وندم عظيم. وهذا شريكه مير محمّد حسين الملقّب بـ"الرّقشاء"، ذلك الّذي وصفه حضرة بهاء الله بأنه "أشقى بكثير من ظالم أرض الطّفّ [كربلاء]"، نراه يُطرد من إصفهان حول هذا الوقت نفسه، ويهيم من قرية إلى أخرى، ويعتريه مرض يبعث من الرّوائح الكريهة ما يجعل زوجته وابنته تبتعدان عنه ولا تطيقان الدّنوّ منه، ويموت وهو على غير وفاق مع السّلطات المحلّيّة، فلا يجرؤ أحد على تشييع جنازته، ويدفنه بعض اللّحّادين بصورة مزرية. […]


"يَا ابْنَ الرُّوحِ ... أَحَبُّ الأَشْيَاءِ عِنْدِي الإنْصافُ. لَا تَرْغَبْ عَنْهُ إِنْ تَكُنْ إِلَيَّ راغِبًا وَلَا تَغْفَلْ مِنْهُ لِتَكُونَ لِي أَمِينًا وَأَنْتَ تُوَفَّقُ بِذلِكَ أَنْ تُشَاهِدَ الأَشْياءَ بِعَيْنِكَ لا بِعَيْنِ العِبادِ وَتَعْرِفَها بِمَعْرِفَتِكَ لا بِمَعْرِفَةِ أَحَدٍ فِي البِلادِ. فَكِّرْ فِي ذلِكَ كَيْفَ يَنْبَغِي أَنْ تَكُونَ. ذلِكَ مِنْ عَطِيَّتِي عَلَيْكَ وَعِنايَتي لَكَ فَاجْعَلْهُ أَمامَ عَيْنَيْكَ."
%
تقدم القراءة