Facts about the Bahá’í Faith
أصدر مجمع البحوث الاسلامّية بالأزهر الشّريف بيانًا عن البهائية والبهائيين نُشِرَ في عددٍ من الصّحف المصرية والعربية بتاريخ ٢١/١/١٩٨٦ م ندّد فيه بهذه الدعوة الدّينية ونسب اليها البطلان مُستندًا في ذلك الى دليلين : كان دليله الأول هو منافاة تعاليمها للاسلام بجحودها القيامة والبعث والجّنة والنّار، وإنكارها ختم النّبوّة، وبقولها بحلول الله في شخص البهاء، وبتبديلها الأحكام التي جاء بها الاسلام . وكان دليله الثاني هو مقاومة المجتمع الاسلامي لها إمّا باصدار الفتاوي الشرعية والقانونية ضدّها، وإمّا بصدور الأحكام القضائية بِردّة معتنقيها، وإمّا بقتل وتنكيل أتباعها كما حدث في ايران. وأنهى مجمع البحوث الاسلامية بيانه بِحَثِّ السّلطات التشريعية والتنفيذية والقضائية في مصر على القضاء على هذه الفئة المظلومة والعدّة القليلة من المواطنين المسالمين لكونهم يؤمنون بالبهائية. ونظرًا لما زخر به البيان المذكور من معلومات خاطئة عن البهائية واستناده الى مراجع تُشيع عنها وتنسب اليها ما يستنكره أتباعها، فقد انتهى الى نتائج مُجافية للواقع كان من السّهل تصحيحها لو أن مجمع البحوث الاسلامية اعتمد في بحثه على حقيقة ما يؤمن به البهائيون. لهذا يحرص هذا التعقيب أشدّ الحرص على عرض بعضٍ من الحقائق الأساسية عن البهائية ومبادئها تَدَارُكًا لما تَشابَهَ على الباحثين من امر هذه الدّعوة التي أقرّ كثيرٌ ممّن دَرَسوها من رجال الفكر في الشرق والغرب بنورانيتها وروحانيتها.
إن البهائية تؤمن بكلّ ما جاء في الذّكر الحكيم، سواء ما نصّ من آياته على ختم النبوة أو ما ذكر منها القيامة والبعث والنشور أو الجنة والنار. ولكن لا يرى البهائيون ضرورة التقيّد، وعلى الأخصّ فيما كان غير واضح الدّلالة من آياته، بما ذهب اليه السابقون في تفاسيرهم. ووجه التّفرقة بين الالتزام بالنّص والحريّة في الفهم غنيّ عن البيان، فالنصّ قد صدر عن الحقّ أما تأويله فقد جاء من الخلق. وعلّة رفض البهائيين لما ذهب إليه أكثر السّلف من المفسّرين هو نقصه. فقد انقسم هؤلاء المفسرون بصفة عامّة الى فريقين: ظاهري و باطني. فاعتمد الفريق الأول في تفسير الكتاب على المفهوم اللّغوي والمعنى الظاهر لعبارة ما تصدّوا لتأويله رغم ما قد يكون في ذلك من تضييق لمعاني آياته. وفي ذلك نقص. فلو اقتصر المقصود من كتاب الله على تلك المعاني الظاهرة لما كاد أن يكون بين آياته مُتَشابِهٌ وهو ما يخالف صريح نص الكتاب. وانصرف الفريق الآخر من المفسّرين الى التأويل الباطني وغالى في ذلك حتى جاء تأويله في كثير من الأحيان غير مستقيم مع ظاهر عبارة الآيات التي يفسّرها.
ونقص المذهبين واضح لدى البهائيين الذين يعتمدون في فهم آيات كتاب الله على الاعتدال، والتوفيق بين الاتجاهين دون إسراف في أيّ منهما مما يُتيح، في رأيهم، إستخراج مفاهيم تمتاز بالتوازن والعمق ومسايرة المنطق السليم والعلم المعاصر ولا يهمل شيئًا من كنوز المعاني الكامنة في الأمثال والتشبيهات والكنايات التي زخرت بها الكتب المقدسة. فحقيقة الأمر أن البهائيين ليسوا كما قيل باطنيّين ولا ظاهريّين أو ان شئت هم كلاهما معًا، اتباعًا لقول
"ولا تحسبنّ الذين قتلوا في سبيل الله أمواتًا بل احياءٌ عند ربهم يرزقون"(آل عمران١٦٩). وبنفس هذا المنهج وبذات هذا الاعتدال يستخرج البهائيون أيضًا مفوهمهم "للبعث" و"النشور" و"القيامة" و "الجنة" و "النار". وليت المناوئين بيّنوا أسباب رفضهم لهذا المنهج بدلاً من رميه بالكفر والجحود وغير ذلك من عبارات هي أقرب الى التّطرّف وإثارة الحميّة منها الى ما يقتضيه البحث العلمي من اعتدال وموضوعية.
أما ختم النّبوة فوجه الخلاف فيه يتعدى مجرّد التّفسير ومنهجه: فالبهائيون يؤمنون بأن محمدًا رسول الله هو خاتم النبيين، وما في ذلك شك ولا جدال، وذلك هو صريح عبارة الآية ٤٠ من سورة الأحزاب : "ما كان محمدًا أبا أحد من رجالكم ولكن رسول الله وخاتم النبيين". وتؤكد الأحاديث بصورة قاطعة أنّه لا نبي بعده. وليس في ذلك نزاع. ولم ينسب
ويوفّق البهائيون بين ختم النبوة واستمرار تنزيل الأديان بعدّة نظريات يكفينا منها هنا واحدة، ألا وهي نظريّة الدّورات الدينية . فكما أنّ للحياة الطبيعية دورات فكذلك للحياة الروحية أيضًا دورات، تتمثل في تعاقب الأديان وما يتبعها من حضارات.
فلا يُعقل أن يكون الجانب الرّوحي للحياة، وهو الأصل والجوهر، أقل دقّة وتنظيمًا من جانبها العارض المادّي. ولكل دورة من هذه الدورات أهدافها ومعالمها المميّزة لها. فهي بمثابة الدّورات التعليمية التي يتدرج فيها الطّالب لتحصيل المعرفة من ابتدائية، وثانوية، وجامعية الخ . .. والدّورة التي بدأها آدم وكان هدفها تعليم التوحيد، ومن معالمها أحاديث الأمثال والنبوءات، قد ختمها محمد بن عبد الله. فَخَتْمُ النبوة، وفقًا لهذا النّظر، إنما يعني انقضاء مرحلة من مراحل التطور الروحي للبشرية. ومجيء
والتوحيد الذي يؤمن به البهائيون، توحيد يقدّس ذات الله عن البروز، والظهور، والنّزول، والصّعود، وليس من بين تعاليمهم ما يقول بحلول الله في شخص البهاء. وهو الذي قال "لا يمكن أن يكون بينه (تعالى) وبين الممكنات بأي وجه من الوجوه نسبة ربط وفصل ووصل أو قرب وبعد وجهة واشارة لأن جميع من في السّموات والأرض وُجِدوا بكلمة أمره وبُعِثوا من العدم البحت والفناء الصرف الى عرصة الشهود والحياة بارادته."۲.
ويضيف عبد البهاء الى ذلك شرحه "إنّ النّزول والصعود والدخول والدّخول والحلول من لوازم الأجسام دون الأرواح فكيف الحقيقة الربانية والذاتية الصمدانية إنّها جلّت عن تلك الأوصاف ..."۳ على أنّ الأمر قد يتشابه على من لا خبرة له بالكتب البهائية حينما يَرِد ما كتبه
وكما لم يقل البهائيون بحلول الله في شخص البهاء فإنّهم لم يقولوا بتفضيل
إنّ الاختلاف بين الأديان في أحكامها ومبادئها لا يرجع الى اختلاف مراتب الرسل الذين جاءوا بها، وإنما يرجع الى تفاوت استعداد النّاس، وقابليتهم، وإحتياجات العصر الذي يعيشون فيه. وكلما زادت قابليّتهم زادت استفاضتهم من فيض الرحمن. أمّا مظاهر أمر الله فإنّهم يستفيضون من نبع واحد، ويعبّرون عن إرادة واحدة، ويعكسون على البشر نورًا إلهيًا واحدًا، ولهذا لا يفرّق البهائيون بينهم.
ليس هناك أبعد من البهائية عن التّعرض للاسلام، أو لأي دين آخر، سواء بتبديل أحكامه، أو بتغيير عباداته، بمعنى أن للمسلمين، بل ومن واجبهم، أن يتّبعوا أحكام دينهم. كما أنّ للمسيحيين أن يتّبعوا أحكام ديانتهم دون أي تعرّض أو اعتراض. وكذلك فإن للبهائية، كدعوة دينية مستقلّة وقائمة بذاتها، ما لكّل دين آخر من كتب، وأحكام، وعبادات خاصة بها، ولا يوجد مبرر لكي يُعتَبَر ذلك تغييرًا أو تبديلاً لأحكام الديانات الأخرى. فأحكام البهائية لا تخاطب إلاّ البهائيين، ولا تُلزِم إلا ّمن يريد الالتزام بها، ويختار لنفسه اتبّاعها، وليس في ذلك تعرّض لدين آخر. أوَ ليس من حقّ كل فرد بالغ أن يقرر لنفسه الطريق الذي يريد أن يسلكه الى الله؟ اوَ لم يقم كل دين على هذه الحرّية الفردية التي يحاول البعض تبديلها بالكره والاجبار؟ حاشا للدين أن يُفرَض على الناس بالتهديد وبدون ايمان أو اقتناع.
ان استدلال مجمع البحوث الاسلامية على بطلان البهائية بما تلاقيه من مقاومة واعتراض، هو استدلال خاطىء لأنه يعتمد على مقدمة خاطئة مؤادَّها أن الحقيقة تقع موقع القبول من الناس فور إعلانها، فلا يعترض الناس إلاّ على الباطل. وهذه مقدمة لا تستقيم مع العلم ولا مع التّاريخ، ولا مع المنطق السليم. فإننا نلاحظ لدى الانسان اتجاهًا قويًا للمحافظة على تراثه القديم، ومقاومة المبادىء الجديدة التي تؤثّر تأثيرًا عميقًا على المألوف منها لديه. ونفس الظاهرة تَصْدُق على السلوك الاجتماعي للانسان، فإن المجتمع يقاوم أيّ سلوك يخالف المألوف اختلافًا كبيرًا، وليس سرًا أن معظم النّظريات العلمية، والاكتشافات الهّامّة قد قُوبِلت من العلماء أنفسهم بالاستهزاء، والاستنكار قبل أن تتأكد حقيقتها وجَدْوَاها، بفضل المحقّقين النّزهاء. والثابت تاريخيًا أن عموم الأديان السماوية قوبِلت بالاستهزاء والمقاومة عند أول ظهورها، وقاسى أتباعها صنوفًا من التعذيب والتنكيل قبل أن يسطع نورها، ويذيع صيتها، وتنفذ أحكامها. وأكثر قصص الذّكر الحكيم تَذْكُر هذه الحقيقة التاريخية وتُرددها تكرارًا. مثل ذلك قوله تعالى: "كَذّبَت قبلهم قوم نوح وعاد وفرعون ذو الأوتاد، وثمود وقوم لوط وأصحاب الأيكة أولئك الأحزاب، وإنّ كلٌّ إلاّ كَذَّب الرسل فحَقَّ عقابِ"(سورة ص ١٢-١٤).
إن ّ أي دراسة تحليليّة لمرحلة الانتقال التي يجتازها عالمنا، وما صَاحَبها من اختلال في موازينه، وما اجتاحه فيها من نظريّات ماديّة، وأزمات خُلُقيّة، ونزعات شبيهة بالجاهلية الأولى، تُظْهِر عجز القوى الروحيّة والمبادىء الدّينيّة في العالم عن وقف تيار الفساد الجارف. وأكبر سبب لهذا العجز هو أنّ كثيرًا من القيادات الروحية، ولا نقول جميعها، قد أعيَاها هَوْلُ المقاومة، فاستسلمت وتأقلمت مع الأوضاع الجديدة في المجتمع، وقليلٌ من هم اليوم على استعداد ليواجهوا الحقيقة، ويعترفوا بانقيادهم، ودأبهم في توفيق مبادئهم لتُسايِر مصالحهم. في مثل هذه الأوقات تَظْهَر حركات الاصلاح وتظهر الأديان، ولكنْ قليل أيضًا من يترك النّفوذ، ويترك الثّراء، ويترك الجاه، ويترك المركز المرموق لينادي بمبادىء جديدة هي حرب على أهواء الغالبية العُظمى، ومن ثم تُلاقي مقاومة كلّ من يروق له، لِعلّةٍ أو لأخرى، دوامُ الحال على ما هي عليه. هذا هو سرّ ما يصادفه البهائيون من متاعب، وأصل ما يواجهونه من تهديد، وغاية ما يلاقونه من اضطهاد.
يقينًا أنّ كثيرًا ممّا يُسَمَّى "بالمقاومة" ناتجٌ عن جهل بَيِّن بالحقائق الأساسية للبهائية كأصلها، وكُنهها، ومبادئها. فالبهائية ليست كما يُوحِي بيان مجمع البحوث الاسلامية، حركة من صُنِع بعض المُصلحين للتوفيق والتقريب بين الأديان وإنّما البهائية، وهذا ايمان راسخ يتشبّث به كل فرد من ملايين البهائيين المنتشرين بين ربوع هذا الكوكب الأرضي والمنتمين الى جميع عناصر وألوان ونحل الجنس البشري، هي دعوة جديدة من الله، وديانة سماوية مُوحّى بها؛ وكُتُبها، وأحكامها، ومبادئها منزّلة من سماء مشيئة الله وإرادته تَعالى، ومؤسسها
والبهائية لا تُناصب العداء ولا تحارب أيّ دين من الأديان، وكُتُبها المقدسة لا تُجيز لأتباعها أن يضمروا غير الخير، أو يجهروا بغير البّر، وهي صريحة في أنّ العلاقة بين البهائيين وأتباع الدّيانات الأخرى هي علاقة أخوة ومحبة واحترام، إذ يقول
ويؤمن البهائيون أن الأديان جميعًا حقيقة واحدة، وما جاءت البهائية إلاّ لتشرح مضمونها، وتؤكد حقائقها، وتحيي دعوتها، وتوفّق بين أتباعها، وتظهر الوحدة بين أهدافها، وتدعو الناس للتّمسّك بها، والتّعمق في فهمها، والعمل على تحقيق أسمى أمانيها. ولا تريد البهائية إلاّ نزع زؤان الخصومة والبغضاء من بين البريّة، وبَذْر بذور المحبة والوفاء في مكانها.
والبهائية لا تحضّ على الفسق والفجور، ولكنها تمنح المرأة فرصة متكافئة للتعليم، والمشاركة في توجيه المجتمع، وبذا تنطلق نصف القوى البشرية من عِقالها لِيَرَى الله عملها، ويُؤتيها أجرها. فقد أمر الله اليوم أن يتساوى الذّكر والأنثى.
والبهائية لا تُحَبِّذ توارث الدّين كما تُتَوارث الدّنيا، دون بحث أو عناء، لأنّها تفرض على كل عاقل أن يتحرى الحقيقة بنفسه، فلا يأخذ اعتقاده عن تعصّب أعمى، او عن جهالة، وإنما يبني ايمانه عن اقتناع مكين، وفهم صحيح، وبذا يرى الأشياء بعينه لا بعين غيره، ويحكم في الأمور برأيه لا برأي أحد سواه.
والبهائية ترى في الدين أقوى أساس لأمن المجتمع، وحفظ سلامه، وهو في ذلك عَوْنٌ للقانون، إن لم يكن رائده. فالقانون يردع ما ظهر من الجرائم بعد ارتكابها، أمّا الوازع الوجداني فيقاوم الرذائل، ما ظهر منها وما خَفِيَ، قبل ارتكابها. فهو بذلك مربٍّ حقيقي للانسان، ومعلم حاذق للفضائل، وضمان مؤكد لسعادة المجتمع وهنائه، بشرط أن يكون التمسك بجوهر الدّين وبروحه، وان يكون ذلك وليد الاقتناع.
والبهائية تؤمن بضرورة اتّفاق العلم والدّين، وتعاونهما في خدمة الانسان، فكلاهما سبيله الى معرفة الحقيقة، وهي واحدة لا تقبل التعدّد. والبحث هو وسيلة التّوفيق بين هذين التوأمين الّلذين لا يجوز لهما إختلاف أو افتراق. العلم والدّين هما جناحان لعالم الانسان، بهما يُحَلِّق في سماء الرُّقي والكمال، وبغير جناحين متكافئين يقع الانسان، لا محالة، إمّا ضحية المادّية القاتلة لمواهبه وفطرته، وإمّا ضحيّة الخُرافات والأوهام المُكبِّلة لعقله وبصيرته.
والبهائية تشهد أنّ الأديان كلّها تتابعت لتعليم المحبّة والوداد لبني الانسان، ولتأسيس الألفة والوفاق بين أفراده وجموعه، فلا يجوز أن يتحول هذا النّور الى ظلام ديجور، ويصبح الدّين سببًا للعداوة والبغضاء، ووسيلة للتّفرقة والشّحناء.
والبهائية ليست حزبًا سياسيّاً، ولا منظمة سياسيّة تتشيّع لفرقة من الناس وتُناصر قومًا على قوم، أو تُقدِّم مصلحة على أخرى، لا ولا هي حركة شرقيّة أو غربيّة، وإنّما هي النبأ العظيم الذين هم فيه مختلفون. هي دعوة الحقّ جلّ جلاله تُناشد عباده الصّادقين، أينما كانوا، وإلى أيّ ملّة انتسبوا، ان يتعاضدوا، ويتآزروا، ويعملوا على إخراج البشرية من هُوَّة الفساد السّحيقة الّتي انحدرت اليها، وإنقاذها ممّا أحاط بها من مخاطر وأهوال، وممّا حاق بها من تعصّب وتحزّب، وممّا يتهدّدها من خراب ودمار. إنّها تنادي بين الأمم: حَيَّ على الصّلح والصّلاح، حَيّّ على الأمن والفلاح، إجعلوا جندكم العقل وسلاحكم العدل وشِيمَكم العفو والفضل.
كانت هذه نُبَذاً من الدين البهائي سطرناها في عُجالة، وما قصدنا بها إلاّ إظهار حقيقةٍ يشهد بها كلّ مُحققٍ منصف: البهائية هي هُدىً جديد من الله لمن أراد أن يهتدي، وهي تؤيّد جميع الديانات السّماوية وتؤكد وحدة مصدرها، ووحدة جوهرها، ووحدة غايتها، وهي إذ لا تنقص من مقدّسات الأديان الأخرى تَحثّ أتباعها على الألفة والاتّحاد، والعمل المشترك، فكلهم أثمار شجرة واحدة واوراق غصن واحد.
وقد وُجِدّت الطّائفة البهائية في مصر منذ ما ينوف على مائة وعَشَرة أعوام، وكَتَبَت الصّحف المصريّة عن مبادئها، وتعاليمه باسهاب منذ أواخر القرن الماضي، وطُبِعَت ونُشِرت كُتُبها في مصر منذ أوائل هذا القرن، واحتفت رجالات مصر وأعلام الدّين فيها بشخص عبد البهاء خلال العقد الثاني من هذا القرن، وتوّطدت عُرَى المودّة بينه وبين صناديد رجالها، أمثال الشيخ محمد بخيت مفتي الدّيار المصرية، والامام محمد عبده، وغيرهما، فأطْرُوه باحترام وبتبجيل لا نظير لهما، كما هو مُدوَّن في بطون الكتب وعلى صفحات الجرائد، ولنا عودةٌ الى ذلك إن شاء الله. خلاصة القول إن البهائية قديمةُ العهد في هذه البلاد ولم يتعارض وجودها لا مع القانون، ولا مع النظام العام.
فَلْيعلم الذين يحكمون على البهائية دون أن يستوضحوا من أتباعها دقائق عقيدتهم أنهم إنما يفعلون ذلك من غير بيّنة أو علم بحقيقة هذا الدين. فتعاليم البهائية تتميّز بجِدَّتها، ولذا تبدو مختلفة عن الفهم الشائع للديانات السّابقة عليها.
ومنذ ظهور هذا الأمر الالهيّ وأتباعه، على غِرار مؤسسه، يعانون من الحكم عليهم دون استيضاحهم. وفي ذلك كَتَب
ويواصل
وقوبِل هذا الطلب البسيط البديهي المبدئي لأي حُكمٍ عادل برفض علماء العصر الذين حكموا على البهائية بدون بينة وعلم بحقيقتها، وما أشبه اليوم بالامس.
وإننا، في هذه المرحلة الدقيقة من تاريخ أمتنا المجيدة، نتوجه الى سلطات الدولة، تنفيذية، وتشريعية، وقضائية، نُهيب بها أن تحمي الحريات الفردية للمواطنين، وأن تكفل الحق لكل مواطن في هذا البلد في أن يتحرى ويفكر ويقرر بنفسه ولنفسه ما يعنيه من شؤون دينه ودنياه، فتضمن لشعب مصر مركزه الذي الذي عانى الكثير من أجل الوصول اليه بين الشعوب المشهود لها بالتحرر الفكري، والتسامح الديني، والنُضج السياسي. إنّ مجد الشعوب وزعامتها في المجال الدولي لا يتأسسان بالقضاء على الاقليات أو قمعها، وانما يرتفع لواء الامم، ويزداد احترامها اذا استتبّ فيها العدل، وتساوت فيها الحقوق، وشاعت بين جوانحها الحريّة، وظلل أرضها التسامح، وكانت الكلمة العُليا فيها للمبادىء، والقيّم الانسانية، والاخلاق المُثلى.