Facts about the Bahá’í Faith
من جملة الإتهامات المتداولة بين الناس عن البهائية قولهم بأن حضرة بهاء الله مؤسس الدين البهائي كان قد ادّعى الأُلوهيّة والحلول، مستشهدين في ذلك بعضا من نصوص كتاباته كما نقرأ في خطابه الى ويلهلم الأول أمبراطور المانيا في عهده :
"يَا مَلِكَ بِرلِينَ اسْمَعِ النِّدآءَ مِن هَذا الهَيكَلِ المُبِينِ * إِنَّهُ لَا إِلَهَ إِلَّا أَنا البَاقِي الفَردُ القَدِيمُ * إِيَّاكَ أَنْ يَمْنَعَكَ الغُرورُ عَن مَطْلِعِ الظُّّهُورِ أَوْ يَحْجُبَكَ الهَوَى عَن مَالِكِ العَرشِ وَالثَّرَى كَذلِكَ يَنْصَحُكَ القَلَمُ الأَعْلَى إِنَّهُ لَهُوَ الفَضَّالُ الكَرِيمُ".
أمّا الجواب المختصر لهذا الإتهام فهو ان الناس التبس عليهم فهم مثل هذه الجمل ونسبوا القول الى شخص حضرة بهاء الله مباشرة دون ان يتمعنوا في باقي كتاباته ومضمون رسالته التي تؤكد عبوديته وانقطاعه وتبيّن ما أصبح الآن مفهوما للبهائيين عن طبيعة المظاهر الإلهية من رسل وأنبياء من حيث أنّ ذواتهم المقدسة كانوا أناسا كباقي البشر يأكلون ويشربون ويمرضون ويتعبون ويفرحون ويتألمون ومحدودين بنفس الحدودات البشرية التي تؤثر علينا جميعا، ولكنهم في نفس الوقت كانوا مظاهر ومرايا بالغة الصفاء تنعكس فيها بكامل الصدق كل الصفات الإلهية والمحامد الربانية من رحمة وشفقة وصبر وحلم وقدرة وعلم وفضل وجود وبأس وهيمنة وعدل وغفران ... من عرفهم حقّ العرفان عرف منهم صفات الرحمن وسمع منهم قوله وعرف منهم إرادته كأنهم قصبة نايٍ فرغت من حشايا الذات وشوائب النفس والهوى وخلت من كل العلائق والموانع تسري منها نغمة الله بكل صفائها وفطرتها الاولى كما تفضل تعالى في كتابه المبين "وَمَا يَنْطِقُ عَنْ الهَوَى إِنْ هُوَ إِلَّا وَحْيٌ يُوحَى" (النجم ٥٣:١/٣/٤).
ويصف حضرة بهاء الله مقامه الخاصّ وعلاقته بالله فيقول:
"يا إلهي إذا أنظر إلى نسبتي إليك أحبّ بأن أقول في كلّ شيء بأنّي أنا الله وإذا أنظر إلى نفسي أشاهدها أحقر من الطّين".
ومثل هذه التعبيرات الدقيقة التي تثير حافظة البعض، قد ورد في الكتب المنزّلة ومنها القرآن الكريم. ففي ذكر بيعة الرضوان في الحديبية نقرأ في الآية الكريمة: "إِنَّ الَّذِينَ يُبَايِعُونَكَ إِنَّمَا يُبَايِعُونَ اللهَ يَدُ اللهِ فَوقَ أَيدِيهِم"(الفتح ٤٨:١٠). والكل يعلم بأنّ هذه الآية لا تعني بأنّ الله تعالى كان قد حَلَّ في جسد الرسول(ص) لا سمح الله، إنما المعنى هو إن البيعة كانت بوساطة الرسول ونيابة عن الله، .. وبنفس المعنى نفهم الآيات الأخرى مثل "وَمَا رَمَيْتَ إِذْ رَمَيْتَ وَلَكِنَّ اللهَ رَمَى"(الانفال ٨:١٧) و "مَنْ يُطِعْ الرَّسُولَ فَقَدْ أَطَاعَ اللهَ"(النساء ٤:٨٠) .. وغيرها. أو معنى الحديث الشريف "مَنْ رَآنِي فَقَدْ رَأَى الحَق" والحق من أسماء الله.
وفي التوراة والإنجيل الذي جاء القرآن مصدّقا لهما نجد أنّ الوعود الإلهية في وصف الموعود - "المخلـّص" "المعزّي" ذكرته بصفة "رب الجنود" في التوراة و بـ "الآتي بأسم الرب" في الإنجيل ولو بحثنا في الأنترنت نجد العديد من المواقع الإسلامية التي تؤكد على ان المـَعْنِيُّ بهذه الأوصاف هو الرسول محمد(ص). و سواء كان المقصود هو الرسول محمد(ص) أو غيره .. المهم ان هؤلاء لم يقولوا بأن "الآتي بأسم الرب" يجب ان يـُتّهم بإدعاء الأُلوهية بل توقّعوا أن يفهم الجميع بأن الذي يأتي بأسم الرب هو رسول من عند الله والكلام الذي ينطق به هو كلام الله.
وأخيرا، لعل ما يلفت النظر في هذا المجال أنّ الناس لم يعترضوا على أنّ الله عزّ وجلّ تجلّى على عبده موسى عليه السلام في صورة النار الموقدة في شجرة خاطبته بـ"إِنَّنِي أَنا اللّهُ لَا إِلَهَ إِلَّا أَنا فَاعْبُدْنِي"(طه ٢٠:١٤) ولكنهم اعترضوا ولم يتقبّلوا فكرة تجلّي مشيئة الله ونوره في الإنسان وهو أكرم خلقه !!
أم هل "إِنَّ كَثِيرًا مِنَ النَّاسِ بِلِقَاءِ رَبِّهِمْ لَكَافِرُونَ"(الروم ٣٠:٨)؟
*********
أمّا إذا أردنا المزيد في تفصيل هذا الموضوع، فيمكن الإستفادة من بعض هذه المقتطفات من مصادر أخرى:
شرحت بيانات كثيرة في الكتابات البهائية حقيقة المظاهر الإلهيّة وعلاقتهم بالله سبحانه وتعالى. وقد تفضّل حضرة بهاء الله في أحد هذه البيانات موضّحاً فردانيّة الحقّ جلّ ذكره، ومبيّنا وحدانيّته، وغيبيّته، ومَنْعَته، فقال:
"ولمّا لم يكن بين الخلق والحقّ، والحادث والقديم، والواجب والممكن أي رابطة أو مناسبة أو موافقة أو مشابهة، لهذا يظهر الله تعالى في كلّ عهد وعصر كينونة مجرّدة لطيفة طاهرة في عالم الملك والملكوت، ويخلق هذه الكينونة الرّبانيّة، والحقيقة الصّمدانيّة، من عنصرين: عنصر ترابيّ ظاهريّ وعنصر إلهيّ غيبيّ، ويخلق لها مقامين: أحدهما مقام الحقيقة وهو مقام لا ينطق إلاّ عن الله ربّه...، والآخر مقام البشريّة مصداقاً لقوله الكريم: "مَا أَنا إِلَّا بَشَرٌ مِثْلُكُم" و"قُل سُبْحَانَ رَبِّي هَلْ كُنتُ إِلَّا بَشَراً رَسُولاً..."(مترجما عن الفارسية)
وأكّد حضرة بهاء الله على "توحيد مواقع التّجريد" في العالم الرّوحانيّ (اي الرسل والأنبياء - عليهم الصلاة والسلام)، فكلّهم يحكون عن جمال الله، ويظهرون أسماءه وصفاته، ويتغنّون بنغمات أزليّته، وتفضّل في ذلك بقوله: "... وإذا سُمع من المظاهر الجامعة ’إنّي أنا الله‘، فإنّ ذلك حقّ ولا ريب فيه، إذ ثبت مراراً أنّ بظهورهم، وبصفاتهم، وبأسمائهم، يظهر في الأرض ظهور الله، واسم الله، وصفة الله..."(مترجما عن الفارسية)
ومع أنّ مظاهر الله هم مرايا أسماء الله وصفاته، وبواسطتهم يصل الإنسان إلى معرفة الله وشريعته، فقد نبّه حضرة وليّ أمر الله شوقي افندي ربّاني بأنّه لا يجوز أبداً مساوات تلك النفوس الصافية بالذّات الإلهيّة والغيب المنيع. أمّا بخصوص مقام حضرة بهاء الله نفسه، فقد كتب حضرة وليّ أمر الله أنّ ذلك "الهيكل البشريّ الّذي بواسطته تجلّى ظهورٌ على هذا القدر من العظمة والهيمنة، لا يجوز أبداً مساواته بالحقيقة الإلهيّة."(مترجما عن الانجليزية)
ويصف حضرة بهاء الله مقام الأُلوهيّة الّذي يشارك فيه كلّ مظاهر الله بقوله:
"إنّ هذا المقام هو مقام فناء النّفس والبقاء في الله، وإذا ذكرت هذه الكلمة فإنّما تدلّ على الفناء البحت الباتّ، مقام لا أملك لنفسي نفعاً ولا ضراً ولا حياة ولا نشوراً."(مترجما عن الفارسية)
وفي "لوح السلطان" الموجّه الى شاه ايران، ذكر حضرة بهاء الله:
"يَا سُلْطَانُ إِنِّی کُنْتُ کَأَحَدٍ مِنَ العِبَادِ وَرَاقِداً عَلَی المِهَادِ مَرَّتْ عَلَيَّ نَسَائِمُ السُّبْحَانِ وَعَلَّمَنِي عِلْمَ مَا کَانَ لَيسَ هَذا مِنْ عِنْدِي بَلْ مِنْ لَدُنْ عَزِيزٍ عَلِيمٍ * وَأَمَرَنِي بِالنِّداءِ بَينَ الأَرضِ وَالسَّمآءِ بِذَلِكَ وَرَدَ عَلَيَّ مَا تَذَرَّفَتْ بِهِ عُيُونُ العَارِفِينَ * مَا قَرَأْتُ مَا عِنْدَ النَّاسِ مِنَ العُلُومِ وَمَا دَخَلْتُ المَدَارِسَ فَاسْأَلِ المَدِينَةََ الَّتِي کُنتُ فِيهَا لِتُوقِنَ بِأَنِّي لَسْتُ مِنَ الکَاذِبِينَ * هَذِهِ وَرَقَةٌ حَرَّکَتْهَا أَرْيَاحُ مَشِيَّةِ رَبِّكَ العَزِيزِ الحَمِيدِ هَلْ لَهَا اسْتِقْرَارٌ عِنْدَ هُبُوبِ أَرْيَاحٍ عَاصِفَاتٍ لَا وَمَالِكِ الأَسْمَاءِ وَالصِّفَاتِ بَلْ تُحَرِّکُهَا کَيفَ تُرِيدُ * لَيسَ لِلْعَدَمِ وُجُودٌ تِلْقَاءَ القِدَمِ قَدْْ جَاءَ أَمْرُهُ المُبْرمُ وَأَنْطَقَنِي بِذِکْرِهِ بَينَ العَالَمِينَ * إِنِّي لَمْ أَکُنْ إِلَّا کَالمَيِّتِ تِلْقَاءَ أَمْرِهِ قَلَّبَتْنِی يَدُ إِرَادَةِ رَبِّكَ الرَّحْمنِ الرَّحِيمِ".